حرية الرأي والتعبير والمعتقد
في تاريخه الطويل، أدخل الإنسان بمختلف ثقافاته مفهوما سلبيا للحقوق، هذا المفهوم يعتمد غالبا على منطق الانتماء للالاحترام أو اللون أو اللغة أو القربى...الخ، وهذا المفهوم سلبي، لأنه كان قائما على إعطاء البعض وحرمان البعض الآخر، على تشييد حدود بين الإنسان وأخيه الإنسان غذت باستمرار المراتبية التمييزية للقيم ودفعت الكائن الإنساني اكثر نحو العدوانية والخصومات والحروب.
ان من اهم اسباب استمرار الحياة الانسانية وبقائها هو وجود التباين والاختلاف في معظم مفاصل الحياة … ولولا هذا الاختلاف والتباين لاستحالت الحياة ولما كان هناك حاجة ولا دافعا نحو التجديد واستمرار النوع والالاحترام. ونجد هذا التباين والاختلاف انعكس على ما نحب وما نكره والميول والرغبات وتغلغل الاختلاف الى حد تقييم المبادئ والاخلاق والمقدسات على أنها مسائل خاضعة لقانون "الاختلاف في وجهات النظر..".
وسائل الإعلام "المباشرة وغير المباشرة" وما وصلت إليه اليوم من تطور مذهل، لها الدور الأكثر أهمية في نشر المعرفة، وتشكيل الرأي العام، وبفعل التطور التكنولوجي الهائل في مجال الاتصالات، اصبح العالم فعلا قرية كونية صغيرة، وأصبح الوصول إلى المعلومة أسهل بكثير من ذي قبل، ولم تعد السلطات الدكتاتورية قادرة على حصار شعوبها فكرياً، الأمر الذي أدى بدوره إلى تطور نوعي في مجال الحريات المدنية والسياسية، وخصوصا حرية اليرأي والتعبير، مما دفع المجتمع الدولي إلى ايجاد آلية ومعايير لضبط مسألة تلك الحقوق، خاصة لإنها ليست مطلقة، وبات هناك تداخل في الحريات استوجب وضع ضوابط قانونية تمنع تجاوز الحقوق والمس بحقوق الآخرين.
إن موضوع ثورة الإتصالات والمعلومات ينطوي على مخاطر جمة خصوصا بالنسبة للدول والشعوب النامية التي لا تمتلك قدرات على خوض معترك هذا المجال والتأثير فيه، وباتت الدول الصناعية الكبرى تمتلك امتيازات بث المعلومات واستخدام وسائل الاتصال التي تهيمن عليها استخداما مجندا لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية، وأصبح هناك خطر على الشعوب النامية من الغزو الثقافي الأجنبي.
جذور تاريخية لحرية الرأي والتعبير والمعتقد:
لقد تعلمنا عبر التاريخ أن الحريات تنتزع ولا تمنح هبة لأحد، وكان تطور المجتمعات نحو المدنية، رافعة لانتزاع الحقوق المدنية تتبع ذلك التطور بشكل طبيعي، وتتراكم من خلالها مجموعة من أنماط السلوك الإنساني تجاه الحريات، الأمر الذي يجعل من غير الممكن تحديد تاريخ ميلاد الحقوق المدنية والسياسية، عدا عن كون تلك الحقوق مرت بانتكاسات وتراجعات عبر أزمنة مختلفة.
وعندما نرغب في تحديد الجذور التاريخية لمفهوم "حرية الرأي والتعبير والمعتقد"، سنجد أن هذا المبدأ كان موجودا بشكل أو بآخر في الحضارات القديمة، ولكن ليس بنفس المفهوم الذي نستخدمه اليوم كنتاج للثقافة المعاصرة، وكان لعصر النهضة الأوروبية، الأثر الكبير في تأصيل مبدأ حرية الرأي والتعبير، كنتاج ربما يكون طبيعي لعصر الظلام الذي سبقه وما كان فيه من انتهاكات لكرامة الإنسان، والذي دفع بالكثيرين من الفلاسفة والمفكرين إلى التطرق، ولو بشكل مختلف عما هو قائم اليوم، إلى موضوع الحريات.
حرية الرأي والتعبير في فلسطين:
في الوقت الذي يتسع فيه نطاق حرية الرأي والتعبير في شتى أنحاء العالم، فإن الدول العربية تسعى يوما بعد آخر إلى إصدار التشريعات والقوانين التي تحد من حرية الرأي والتعبير تحت مسميات مختلفة، وحجج واهية، في حين شكلت التجربة الفلسطينية في مجال حرية الرأي والتعبير والإعلام انتكاسة حقيقية لتجربة الديمقراطية وحقوق الإنسان الفلسطينية ومتطلبات المجتمع الحر، حيث أن التجربة كانت مريرة وقاسية لواقع العمل الإعلامي الفلسطيني، لا سيما في حالة تشوبها التعقيدات والتشويش والغموض كالحالة الفلسطينية، فلا تكاد التجربة الإعلامية الفلسطينية تتناسى فترة مصادرة الحريات في عصر الاحتلال حتى تعود لتجمع بين الاثنين معاً، فكيف يمكن أن ينشأ ويتطور إعلام حر ومتوازن وعصري في ظل تضييق وكبت ومصادرة الحريات، حتى أصبح الإعلام الفلسطيني هو إعلام الرجل المسؤول "رجل السلطة" وهو بالأحرى كذلك إعلام السلطة الحاكمة التي تريد من الإعلاميين أن يكتبوا ما تريد، ويسمعوا ما تريد، ويقرأوا ما تريد، ولهم حرية الرأي والتعبير بشرط أن يظل هذا الرأي محبوسا في صدر صاحبه، أو أن يكون السجن إذا تعارض مع آراء السلطة الحاكمة أو مس مصالحها أو المصالح العليا للشعب الفلسطيني على حد تعبيرهم ومبرراتهم.
ومن جهة ثانية، نجد أن الدستور الفلسطيني، يخصص في الكثير من بنوده، مساحة كبيرة للحريات، وخصوصا حرية الرأي والتعبير، وأن القانون تكون من 51 مادة ضمنت كل ما يتعلق بالمطبوعات والعمل الصحفي ومنها ضمانات أساسية لحرية الرأي والتعبير لكل مواطن وحرية الوصول إلى المعلومات ونشرها وتداولها والتعليق عليها، وتنص المادة 19 منه على أنه لا مساس بحرية الرأي ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير، إلا أن المواد اللاحقة بالقانون حملت جملة من النصوص التي تنتقص من حق الانسان على صعيد حرية الرأي والتعبير.
حرية الرأي والتعبير والمعتقد في المواثيق الدولية:
جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليؤكد على الحق في حرية الرأي والتعبير، ووضع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في اعتباره، في المادة 19، حق كل انسان في اعتناق آراء دون مضايقة، بالإضافة إلى الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبرا للحدود، سواء شفوياً أو في شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها، ونلاحظ أن حرية التمامس مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء شفوياً أو في شكل مكتوب أو مطبوع او في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها الإنسان، على النحو المنصوص عليه في المادة 19 من العهد، تعطي معنى للحق في المشاركة على نحو فعال في مجتمع حر.
يربط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بين الثالوث المقدس: الرأي، التعبير، المعتقد، والأضلاع الثلاثة جوهر الحرية، في حين أن هناك بعض الدول مثل اليمن، والتي ينص دستورها على حرية الرأي والتعبير، ويتجاهل حرية المعتقد، مما يمثل تراجعا عن جوهر الحرية المنصوص عليها في الإعلان العالمي.
وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 ولا سيما المادة 19 منه، علي أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلي الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود"، وبالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 والذي يعلن نفس هذه المبادئ في المادة 19 ويدين في المادة 20 التحريض علي الحرب وإثارة البغضاء الوطنية أو العنصرية أو الدينية وأي شكل من أشكال التمييز أو العداء أو العنف.
القرار 127 (د-2) الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 أيضا والذي يطالب الدول الأعضاء بالقيام، في الحدود التي تسمح بها إجراءاتها الدستورية، بمكافحة نشر الأنباء الزائفة أو المشوهة التي يكون من شأنها الإساءة إلي العلاقات الطيبة بين الدول، وبغيره من القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة بشأن وسائل الإعلام الجماهيرية وإسهامها في دعم السلم والثقة والعلاقات الودية بين الدول،
الدين وحرية الرأي والتعبير والمعتقد:
يقصد بالحق في حرية الدين أو المعتقد في إطار منظومة حقوق الإنسان حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من أفكار دينية أو غير دينية.
قامت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في عام 1993، وهي لجنة تقوم بالإشراف على تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتتشكل من 18 خبيراً يتم انتخابهم من قبل الدول الأطراف في العهد، بالإشارة إلى أن المقصود بالدين أو المعتقد ضمناً يتمثل في "معتقدات في وجود اله، أو في عدم وجوده أو معتقدات ملحدة، بجانب الحق في عدم ممارسة أي دين أو معتقد.
إن الديانات والمعتقدات تجلب الأمل والسلوى إلى المليارات من الأفراد، كما أن لها تأثير على المساهمة في تحقيق السلام والمصالحة. إلا أنها من ناحية أخرى كانت مصدرا للتوتر والصراعات. هذا التعقيد، بجانب صعوبة تعريف الدين أو المعتقد ينعكسان في التاريخ النامي لحماية حرية الدين أو المعتقد في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان.
موضوع معقد ومثير للجدل،،،،
إن الكفاح من أجل الحرية الدينية قائم منذ قرون، وقد أدى إلى كثير من الصراعات المفجعة، وعلى الرغم من أن مثل هذه الصراعات مازالت قائمة إلا أنه يمكن القول بأن القرن العشرين قد شهد بعض التقدم حيث تم الإقرار ببعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد، وقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن "لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
وقد تلى اعتماد هذا الإعلان محاولات عدة لوضع اتفاقية خاصة بالحق في حرية الدين والمعتقد إلا أن كافة تلك المحاولات قد باءت بالفشل.
كما أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، بالحق في حرية الدين أو المعتقد وذلك من بين ما اقرت به من حقوق وحريات.
وتنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أربع بنود بهذا الخصوص، وهي أن:
أولا: "لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
ثانيا: لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
ثالثا: "لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
رابعا: "تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة.
وفي إطار تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان، خصصت اتفاقيات دولية ملزمة لتناول مادة واحدة أو أكثر من مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولكن نظرا لتعقد الموضوع الذي تعالجه المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وللاعتبارات السياسية اللصيقة بموضوعها لم يصبح الموضوع الذي تعالجه هذه المادة محلا لاتفاقية دولية حتى الآن. وبعد عشرين سنة من مناقشات وكفاح وعمل شاق تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت عام 1981 إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد سيشار إليه فيما بعد بإعلان 1981، وإن كان إعلان عام 1981 يفتقر إلى الطبيعة الإلزامية ولا يتضمن النص على آلية للإشراف على تنفيذه إلا أنه مازال يعتبر أهم تقنين معاصر لمبدأ حرية الديانة والمعتقد.
تمرين:
نظام الحكم العلماني هو من أكثر الأنظمة حفاظاً على حرية الرأي والتعبير والمعتقد، ويوفر مناخاً مناسباً لنشأة مجتمع ديمقراطي حر، يضمن حياة كريمة لكافة أفراد المجتمع على إختلاف طوائفهم وأجناسهم وألوانهم ودياناتهم.
نظام الحكم الديني يتميز بطابع الغلبة للأغلبية، سواء كانت دينية أو طائفية او عرقية، ويسمح بممارسة الشعائر الدينية بحرية، ضمن نطاق الدين الرسمي، في حين تخضع الأقليات لقوانين أوجدتها الأكثرية، وهو بالتالي نظام ديمقراطي.
ناقش الفقرتين ،،، على أساس أي من النظامين تعتقد أنه أكثر حرصا على كرامة الإنسان وحقه في حرية في الرأي والتعبير والمعتقد.
القيود والمحددات لحرية الرأي والتعبير والمعتقد:
وتجدر الإشارة هنا إلى أن فريق من الخبراء اجتمع في جنوب أفريقيا في 1 أكتوبر من العام 1995، واعتمد مبادئ جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية الرأي والتعبير والوصول إلى المعلومات، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ الأمن القومي _في بعض البلدان_ ذريعة غير مبررة لتقييد الحق في حرية الرأي والتعبير والإعلام، وأن القيود المفروضة على ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير، يمكن أن تنم عن التدهور في حماية سائر حقوق الإنسان وحرياته واحترامها والتمتع بها.
المصدر ـــــــــــــ
في تاريخه الطويل، أدخل الإنسان بمختلف ثقافاته مفهوما سلبيا للحقوق، هذا المفهوم يعتمد غالبا على منطق الانتماء للالاحترام أو اللون أو اللغة أو القربى...الخ، وهذا المفهوم سلبي، لأنه كان قائما على إعطاء البعض وحرمان البعض الآخر، على تشييد حدود بين الإنسان وأخيه الإنسان غذت باستمرار المراتبية التمييزية للقيم ودفعت الكائن الإنساني اكثر نحو العدوانية والخصومات والحروب.
ان من اهم اسباب استمرار الحياة الانسانية وبقائها هو وجود التباين والاختلاف في معظم مفاصل الحياة … ولولا هذا الاختلاف والتباين لاستحالت الحياة ولما كان هناك حاجة ولا دافعا نحو التجديد واستمرار النوع والالاحترام. ونجد هذا التباين والاختلاف انعكس على ما نحب وما نكره والميول والرغبات وتغلغل الاختلاف الى حد تقييم المبادئ والاخلاق والمقدسات على أنها مسائل خاضعة لقانون "الاختلاف في وجهات النظر..".
وسائل الإعلام "المباشرة وغير المباشرة" وما وصلت إليه اليوم من تطور مذهل، لها الدور الأكثر أهمية في نشر المعرفة، وتشكيل الرأي العام، وبفعل التطور التكنولوجي الهائل في مجال الاتصالات، اصبح العالم فعلا قرية كونية صغيرة، وأصبح الوصول إلى المعلومة أسهل بكثير من ذي قبل، ولم تعد السلطات الدكتاتورية قادرة على حصار شعوبها فكرياً، الأمر الذي أدى بدوره إلى تطور نوعي في مجال الحريات المدنية والسياسية، وخصوصا حرية اليرأي والتعبير، مما دفع المجتمع الدولي إلى ايجاد آلية ومعايير لضبط مسألة تلك الحقوق، خاصة لإنها ليست مطلقة، وبات هناك تداخل في الحريات استوجب وضع ضوابط قانونية تمنع تجاوز الحقوق والمس بحقوق الآخرين.
إن موضوع ثورة الإتصالات والمعلومات ينطوي على مخاطر جمة خصوصا بالنسبة للدول والشعوب النامية التي لا تمتلك قدرات على خوض معترك هذا المجال والتأثير فيه، وباتت الدول الصناعية الكبرى تمتلك امتيازات بث المعلومات واستخدام وسائل الاتصال التي تهيمن عليها استخداما مجندا لخدمة مصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية، وأصبح هناك خطر على الشعوب النامية من الغزو الثقافي الأجنبي.
جذور تاريخية لحرية الرأي والتعبير والمعتقد:
لقد تعلمنا عبر التاريخ أن الحريات تنتزع ولا تمنح هبة لأحد، وكان تطور المجتمعات نحو المدنية، رافعة لانتزاع الحقوق المدنية تتبع ذلك التطور بشكل طبيعي، وتتراكم من خلالها مجموعة من أنماط السلوك الإنساني تجاه الحريات، الأمر الذي يجعل من غير الممكن تحديد تاريخ ميلاد الحقوق المدنية والسياسية، عدا عن كون تلك الحقوق مرت بانتكاسات وتراجعات عبر أزمنة مختلفة.
وعندما نرغب في تحديد الجذور التاريخية لمفهوم "حرية الرأي والتعبير والمعتقد"، سنجد أن هذا المبدأ كان موجودا بشكل أو بآخر في الحضارات القديمة، ولكن ليس بنفس المفهوم الذي نستخدمه اليوم كنتاج للثقافة المعاصرة، وكان لعصر النهضة الأوروبية، الأثر الكبير في تأصيل مبدأ حرية الرأي والتعبير، كنتاج ربما يكون طبيعي لعصر الظلام الذي سبقه وما كان فيه من انتهاكات لكرامة الإنسان، والذي دفع بالكثيرين من الفلاسفة والمفكرين إلى التطرق، ولو بشكل مختلف عما هو قائم اليوم، إلى موضوع الحريات.
حرية الرأي والتعبير في فلسطين:
في الوقت الذي يتسع فيه نطاق حرية الرأي والتعبير في شتى أنحاء العالم، فإن الدول العربية تسعى يوما بعد آخر إلى إصدار التشريعات والقوانين التي تحد من حرية الرأي والتعبير تحت مسميات مختلفة، وحجج واهية، في حين شكلت التجربة الفلسطينية في مجال حرية الرأي والتعبير والإعلام انتكاسة حقيقية لتجربة الديمقراطية وحقوق الإنسان الفلسطينية ومتطلبات المجتمع الحر، حيث أن التجربة كانت مريرة وقاسية لواقع العمل الإعلامي الفلسطيني، لا سيما في حالة تشوبها التعقيدات والتشويش والغموض كالحالة الفلسطينية، فلا تكاد التجربة الإعلامية الفلسطينية تتناسى فترة مصادرة الحريات في عصر الاحتلال حتى تعود لتجمع بين الاثنين معاً، فكيف يمكن أن ينشأ ويتطور إعلام حر ومتوازن وعصري في ظل تضييق وكبت ومصادرة الحريات، حتى أصبح الإعلام الفلسطيني هو إعلام الرجل المسؤول "رجل السلطة" وهو بالأحرى كذلك إعلام السلطة الحاكمة التي تريد من الإعلاميين أن يكتبوا ما تريد، ويسمعوا ما تريد، ويقرأوا ما تريد، ولهم حرية الرأي والتعبير بشرط أن يظل هذا الرأي محبوسا في صدر صاحبه، أو أن يكون السجن إذا تعارض مع آراء السلطة الحاكمة أو مس مصالحها أو المصالح العليا للشعب الفلسطيني على حد تعبيرهم ومبرراتهم.
ومن جهة ثانية، نجد أن الدستور الفلسطيني، يخصص في الكثير من بنوده، مساحة كبيرة للحريات، وخصوصا حرية الرأي والتعبير، وأن القانون تكون من 51 مادة ضمنت كل ما يتعلق بالمطبوعات والعمل الصحفي ومنها ضمانات أساسية لحرية الرأي والتعبير لكل مواطن وحرية الوصول إلى المعلومات ونشرها وتداولها والتعليق عليها، وتنص المادة 19 منه على أنه لا مساس بحرية الرأي ولكل إنسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غير ذلك من وسائل التعبير، إلا أن المواد اللاحقة بالقانون حملت جملة من النصوص التي تنتقص من حق الانسان على صعيد حرية الرأي والتعبير.
حرية الرأي والتعبير والمعتقد في المواثيق الدولية:
جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ليؤكد على الحق في حرية الرأي والتعبير، ووضع العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في اعتباره، في المادة 19، حق كل انسان في اعتناق آراء دون مضايقة، بالإضافة إلى الحق في حرية التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبرا للحدود، سواء شفوياً أو في شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها، ونلاحظ أن حرية التمامس مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دونما اعتبار للحدود، سواء شفوياً أو في شكل مكتوب أو مطبوع او في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها الإنسان، على النحو المنصوص عليه في المادة 19 من العهد، تعطي معنى للحق في المشاركة على نحو فعال في مجتمع حر.
يربط الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بين الثالوث المقدس: الرأي، التعبير، المعتقد، والأضلاع الثلاثة جوهر الحرية، في حين أن هناك بعض الدول مثل اليمن، والتي ينص دستورها على حرية الرأي والتعبير، ويتجاهل حرية المعتقد، مما يمثل تراجعا عن جوهر الحرية المنصوص عليها في الإعلان العالمي.
وينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 ولا سيما المادة 19 منه، علي أن "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفي التماس الأنباء والأفكار وتلقيها ونقلها إلي الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود"، وبالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1966 والذي يعلن نفس هذه المبادئ في المادة 19 ويدين في المادة 20 التحريض علي الحرب وإثارة البغضاء الوطنية أو العنصرية أو الدينية وأي شكل من أشكال التمييز أو العداء أو العنف.
القرار 127 (د-2) الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947 أيضا والذي يطالب الدول الأعضاء بالقيام، في الحدود التي تسمح بها إجراءاتها الدستورية، بمكافحة نشر الأنباء الزائفة أو المشوهة التي يكون من شأنها الإساءة إلي العلاقات الطيبة بين الدول، وبغيره من القرارات التي أصدرتها الجمعية العامة بشأن وسائل الإعلام الجماهيرية وإسهامها في دعم السلم والثقة والعلاقات الودية بين الدول،
الدين وحرية الرأي والتعبير والمعتقد:
يقصد بالحق في حرية الدين أو المعتقد في إطار منظومة حقوق الإنسان حرية الفرد في اعتناق ما يشاء من أفكار دينية أو غير دينية.
قامت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في عام 1993، وهي لجنة تقوم بالإشراف على تنفيذ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وتتشكل من 18 خبيراً يتم انتخابهم من قبل الدول الأطراف في العهد، بالإشارة إلى أن المقصود بالدين أو المعتقد ضمناً يتمثل في "معتقدات في وجود اله، أو في عدم وجوده أو معتقدات ملحدة، بجانب الحق في عدم ممارسة أي دين أو معتقد.
إن الديانات والمعتقدات تجلب الأمل والسلوى إلى المليارات من الأفراد، كما أن لها تأثير على المساهمة في تحقيق السلام والمصالحة. إلا أنها من ناحية أخرى كانت مصدرا للتوتر والصراعات. هذا التعقيد، بجانب صعوبة تعريف الدين أو المعتقد ينعكسان في التاريخ النامي لحماية حرية الدين أو المعتقد في إطار القانون الدولي لحقوق الإنسان.
موضوع معقد ومثير للجدل،،،،
إن الكفاح من أجل الحرية الدينية قائم منذ قرون، وقد أدى إلى كثير من الصراعات المفجعة، وعلى الرغم من أن مثل هذه الصراعات مازالت قائمة إلا أنه يمكن القول بأن القرن العشرين قد شهد بعض التقدم حيث تم الإقرار ببعض المبادئ المشتركة الخاصة بحرية الديانة أو المعتقد، وقد اعترفت الأمم المتحدة بأهمية حرية الديانة أو المعتقد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي اعتمد عام1948، حيث تنص المادة 18 منه على أن "لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
وقد تلى اعتماد هذا الإعلان محاولات عدة لوضع اتفاقية خاصة بالحق في حرية الدين والمعتقد إلا أن كافة تلك المحاولات قد باءت بالفشل.
كما أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1966، بالحق في حرية الدين أو المعتقد وذلك من بين ما اقرت به من حقوق وحريات.
وتنص المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أربع بنود بهذا الخصوص، وهي أن:
أولا: "لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.
ثانيا: لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره.
ثالثا: "لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية.
رابعا: "تتعهد الدول الأطراف في هذا العهد باحترام حرية الآباء، أو الأوصياء عند وجودهم، في تأمين تربية أولادهم دينيا وخلقيا وفقا لقناعاتهم الخاصة.
وفي إطار تطور القانون الدولي لحقوق الإنسان، خصصت اتفاقيات دولية ملزمة لتناول مادة واحدة أو أكثر من مواد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. ولكن نظرا لتعقد الموضوع الذي تعالجه المادة 18 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وللاعتبارات السياسية اللصيقة بموضوعها لم يصبح الموضوع الذي تعالجه هذه المادة محلا لاتفاقية دولية حتى الآن. وبعد عشرين سنة من مناقشات وكفاح وعمل شاق تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة بدون تصويت عام 1981 إعلان بشأن القضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين أو المعتقد سيشار إليه فيما بعد بإعلان 1981، وإن كان إعلان عام 1981 يفتقر إلى الطبيعة الإلزامية ولا يتضمن النص على آلية للإشراف على تنفيذه إلا أنه مازال يعتبر أهم تقنين معاصر لمبدأ حرية الديانة والمعتقد.
تمرين:
نظام الحكم العلماني هو من أكثر الأنظمة حفاظاً على حرية الرأي والتعبير والمعتقد، ويوفر مناخاً مناسباً لنشأة مجتمع ديمقراطي حر، يضمن حياة كريمة لكافة أفراد المجتمع على إختلاف طوائفهم وأجناسهم وألوانهم ودياناتهم.
نظام الحكم الديني يتميز بطابع الغلبة للأغلبية، سواء كانت دينية أو طائفية او عرقية، ويسمح بممارسة الشعائر الدينية بحرية، ضمن نطاق الدين الرسمي، في حين تخضع الأقليات لقوانين أوجدتها الأكثرية، وهو بالتالي نظام ديمقراطي.
ناقش الفقرتين ،،، على أساس أي من النظامين تعتقد أنه أكثر حرصا على كرامة الإنسان وحقه في حرية في الرأي والتعبير والمعتقد.
القيود والمحددات لحرية الرأي والتعبير والمعتقد:
وتجدر الإشارة هنا إلى أن فريق من الخبراء اجتمع في جنوب أفريقيا في 1 أكتوبر من العام 1995، واعتمد مبادئ جوهانسبرغ بشأن الأمن القومي وحرية الرأي والتعبير والوصول إلى المعلومات، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ الأمن القومي _في بعض البلدان_ ذريعة غير مبررة لتقييد الحق في حرية الرأي والتعبير والإعلام، وأن القيود المفروضة على ممارسة الحق في حرية الرأي والتعبير، يمكن أن تنم عن التدهور في حماية سائر حقوق الإنسان وحرياته واحترامها والتمتع بها.
المصدر ـــــــــــــ
الأحد يوليو 14, 2013 8:35 pm من طرف Admin
» قناة الشرقية نتائج امتحانات الصف السادس علمي وادبي 2013
الأحد يوليو 14, 2013 8:34 pm من طرف Admin
» نتائج امتحانات الصف الثالث متوصط 2013
الأحد يوليو 14, 2013 8:33 pm من طرف Admin
» تجربة في الحب
الأربعاء سبتمبر 26, 2012 5:38 pm من طرف اصنع من جرحي امل
» الدفاع علي رسول الله صلي الله عليه و سلم
السبت سبتمبر 15, 2012 3:59 am من طرف KERDOUD YEHIA
» رسوماتك تدل على شخصيتك
الإثنين سبتمبر 10, 2012 12:43 am من طرف المهندسة
» فرص عمل في شركة اغاريد العراق للتجاره والمقاولات العامه المحدوده في شارع فلسطين
الأربعاء فبراير 08, 2012 4:21 pm من طرف Admin
» الشمس تستيقظ من نوم عميق
الجمعة مايو 27, 2011 6:43 pm من طرف اصنع من جرحي امل
» دورات اعلامية متميزة
الأربعاء مايو 25, 2011 9:21 pm من طرف المهندسة
» كلية الدراسات المتوسطة تقرر استقبال دفعة جديدة في تخصص التمريض العام وتخصص وادارة الأعمال
الأربعاء مايو 25, 2011 9:16 pm من طرف المهندسة
» الشبيبة الفتحاوية بكلية الدراسات المتوسطة تستنكر الاعتداء وتدعو الطلبة إلى الالتزام بمقاعد الدراسة
الأربعاء مايو 25, 2011 9:13 pm من طرف المهندسة
» نماذج إمتحاناتـ تفكير إبداعي ..
الأربعاء مايو 25, 2011 9:06 pm من طرف المهندسة
» نموذج إمتحانـ لمقرر المشكلات السلوكية لدي الأطفال
الأربعاء مايو 25, 2011 9:04 pm من طرف المهندسة
» اختبار الذكاء الانفعالى .........
الأربعاء مايو 25, 2011 8:58 pm من طرف المهندسة
» هل أنت تتحدث مع نفسك ؟؟إذااًأدخل
الأربعاء مايو 25, 2011 8:54 pm من طرف المهندسة